حرب 1967 هزيمة لا تحتاج إلى تجميل، فآثارها لا تزال تطارد الأمة العربية المفككة والمتناحرة التي تواجه أسوأ الكوابيس وشلل النوم (الجاثوم).
تشتبك الحروب العربية الإسرائيلية مع زوبعة الأسماء والمصطلحات، وتتناثر حولها مثل أوراق الشجر وقت الخريف، فهي متعددة الروايات والرواة!
نحن العرب أسمينا حرب أيار/مايو 1948 بـ”النكبة” وأطلق عليها الصهاينة وقتها “حرب الاستقلال”.
وتحدثنا عن “العدوان الثلاثي” أو “حرب 1956″ بينما وصفها الغرب بـ” أزمة السويس” أو” حرب السويس”.
وكانت تعرف إسرائيليا بـ” حرب سيناء” أو” حملة سيناء” أو” العملية قادش”.
حرب الخامس من حزيران / يونيو 1967 تعرف عربيا بـ” نكسة حزيران” أو” نكسة 67 ” ويسميها الإسرائيليون “حرب الأيام الستة”.
حرب أكتوبر 1973، عندنا نحن العرب، تعرف بـ” حرب أكتوبر” و “حرب العاشر من رمضان”، واسرائيل تسميها “حرب الغفران”.
حتى الأسماء تحمل وجهات نظر، الإعلام العربي هو من سوّق للجماهير العربية مصطلح “النكسة”.
والسبب: حتى يخفف من وطأة المصيبة التي أصيبت بها الجيوش العربية.
أول من أطلق الاسم
يقال إن أول من أطلق مصطلح “النكسة” هو المستشار السياسي للرئيس جمال عبد الناصر في حينه محمد حسنين هيكل.
وفق قول الدكتور محمد اشتية في “موسوعة المصطلحات والمفاهيم الفلسطينية”.
بينما يرى رئيس تحرير صحيفة “العربي المصري” سابقا الكاتب عبد الله السناوي بأن عبد المنعم رياض هو صاحب المصطلح.
وهو رئيس أركان القيادة العربية الموحدة، والقائد العام للجبهة الأردنية آنذاك.
ويقول: “للتعبيرات قوة تأثيرها في حركة الأحداث، عندما تقول هزيمة، فإن كل شيء قد انتهى”.
وأكمل: “وعليك أن تقر بما جرى وتستسلم له، بينما تعبير النكسة ساعدنا في لملمة جراحنا “.
يضيف رياض: “كل ما فكرت فيه أن النكسة وضع مؤقت والهزيمة استسلام نهائي”.
وزير الثقافة المصري السابق جابر عصفور يؤكد في لقاء تلفزيوني أن “هيكل استخدم مصطلح النكسة لتقليل وقع الهزيمة.
وأوضح الوزير أن هيكل كان عالما بها، مؤكدا أن هيكل “كان موهوبا في استخدام اللغة وتوظيفها”.
جيل النكسة
ويدلا من نشوء مصطلح “حكومات وأنظمة النكسة”، نشأ بعدها، جيل جديد أطلقوا عليه “جيل النكسة” وكأن الإنسان العربي هو من هزم.
حرب 1967 في حزيران/ يونيو هي ثالث الحروب العربية الإسرائيلية التي انتهت باحتلال سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان.
وكذلك تهجير ما بين 350 إلى 400 ألف فلسطيني بما فيها محو قرى بأكملها، وفتح باب الاستيطان في القدس والضفة الغربية.
وخلقت مشكلة لاجئين جديدة تضاف إلى مشكلة اللاجئين الذين أجبروا على ترك منازلهم عام 1948.
كما أجبرت نحو مائة ألف سوري في الجولان على النزوح من ديارهم إلى داخل سوريا.
في حين ألحقت الحرب هزيمة نفسية بالجيوش العربية، بعد أن فقدت الكثير من ثقتها في قدراتها العسكرية وكفاءتها القتالية.
في المقابل ارتفعت معنويات الجيش الإسرائيلي وراجت مقولته؛ “إنه الجيش الذي لا يقهر”.
وخسر العرب ما بين 15 إلى 20 ألف شهيد، ودمرت نحو 209 طائرة من أصل 340 طائرة مصرية، وهي لا تزال في المدرجات.
ودمرت 32 طائرة سورية و22 طائرة أردنية، كما فقد العراق جزءا من سلاحه الجوي بعد أن هاجمها الطيران الإسرائيلي.
وحسب بعض التحليلات؛ فإن نسب الاستنزاف في المعدات العربية وصلت إلى 70 – 80% من مجمل طاقتها.
وكان التفوق الجوي الإسرائيلي في حرب 1967 حاسما ، فقد حسم المعركة منذ اليوم الأول من الحرب.
وطال الإحباط كذلك الشعوب العربية، وانعكس ذلك في المظاهرات والمسيرات التي اندلعت بعد الحرب.
الامر الذي انعكس على ما أنتجته هذه الشعوب من أدب وفن وثقافة.
بعد حرب 1967
ومع أن الدولة العبرية أعادت صحراء سيناء لمصر، إلا أنها ضمت القدس الشرقية وهضبة الجولان.
كما لا تزال تحتل الضفة الغربية وتوسع الاستيطان فيها وتستعد إلى ضمها بشكل كامل.
في حين انسحبت بشكل أحادي الجانب من قطاع غزة الذي تفرض عليه حصارا مطلقا منذ عام 2006.
بالنسبة للفلسطينيين، فقد كان عام 1948 عام اللجوء و بعد حرب 1967 عام النزوح.
لا يزال الإعلام العربي منذ ذلك الوقت وحتى اليوم يتبع أساليب الستينيات والخمسينيات نفسها، في مخاطبة الإنسان العربي.
يتقن صناعة الوهم والأصنام والتضليل، دون أن يحترم عقل، مُساهِما بشكل جذري في سلسلة الهزائم العربية المتواصلة .
وحينما أعلن عبد الناصر استقالته على الملأ بعد الهزيمة، بقيت وسائل الإعلام تنشر”الجيش العربي يتقدم باتجاه تل أبيب”.
وايضا: “القوات العربية تحتل النقب”، وقبلها كانت تقول: “عبد الناصر يعلن للعالم إننا ننتظر المعركة على أحر من الجمر”.
الخامس من حزيران كان هزيمة للنظام الرسمي العربي، مع أن المقاتل والجندي العربي قاتل ببسالة، لكنه وجد نفسه مكشوفا.
فقد أضحى بلا غطاء جوي أو من نيران الدبابات، في مواجهة جيش مجهز ومستعد بشكل احترافي.
عربيا كانت حربا لم تقع، كانت هزيمة دون أن توصف بحرب أو معركة، كانت جزءا من اللغو في الكلام والوهم.
فحين كانت الجيوش العربية تطلب الهدنة، كان الإعلام العربي يواصل التطبيل والتزمير للنصر الذي كان عبر أثير الإذاعات والصحف.
المصدر: عربي 21